يُعد معبد قصر الزيان من أبرز المعالم الأثرية في الوادي الجديد، وكان أحد أهم نقاط التقاء طرق التجارة في مصر القديمة. يقع المعبد على بُعد نحو 26 كيلومترًا جنوب مدينة الخارجة، وعلى مسافة تقارب 3 كيلومترات من معبد الغويطة، وذلك عند نقطة التقاء درب الأربعين ونقب بولاق، وهو ما منحه موقعًا استراتيجيًا في العصور القديمة.
اشتهر المعبد بكونه أحد المعابد الجنائزية البارزة، وله أهمية كبيرة في عصور حكم ملوك الفراعنة، واستمر هذا الاهتمام به في العصر الروماني. وقد اكتسب المعبد اسمه الحالي «قصر الزيان» بعد الفتح الإسلامي لمصر، حيث كان يُطلق على المباني الشاهقة المحاطة بأسوار ضخمة اسم “القصور”، نظرًا لهيئتها الضخمة وطبيعة بنائها بالحجر الصلد. ولهذا السبب أُطلق اسم “قصر” على هذا المعبد القديم.
أما اسم “الزيان”، فقد جاء نسبة إلى عين ماء قديمة كانت تقع بالموقع ذاته. ومع استقرار السكان لاحقًا في تلك المنطقة، أصبح يُعرف الموقع بالكامل باسم “قصر الزيان”، وامتد هذا الاسم ليشمل المعبد الأثري نفسه.
يرجع تاريخ إنشاء المعبد إلى العصر الروماني، وتحديدًا إلى الفترة التي سبقت عهد الإمبراطور الروماني أنطونيوس بيوس. وقد قام هذا الإمبراطور بأعمال ترميم وصيانة للمعبد، وسجّل تلك الأعمال باللغة اليونانية على عتبة الباب المؤدي إلى قدس الأقداس داخل المعبد. وتشير هذه النقوش إلى أن تلك الأعمال أُنجزت في اليوم الثامن عشر من السنة الثالثة لحكم أنطونيوس بيوس، أي في 18 أغسطس من عام 141 ميلادية.
ويتخذ معبد قصر الزيان تصميمًا معماريًا يتجه بمحور من الجنوب إلى الشمال. وهو مبنًى صغير نسبيًا، مشيّد من الحجر الرملي، ويضم تمثالًا للإله آمون هبت، الذي كان يُقدَّم له الطعام والقرابين في مصر القديمة. وتُعد النصوص المنقوشة داخل المعبد شاهدًا على محاولة الإمبراطور الروماني أنطونيوس بيوس إثبات صلته الروحية بهذا الإله العظيم، من خلال نصوص عبّر فيها عن خضوعه وتقديره، ومنها قوله: “أنا قد حضرت الآن في حضرتك، يا معلّمي وأبي آمون هبت، يا معلم سيد هبت، يا أيها المعبود العظيم”.
تدل هذه العبارات على رغبة الإمبراطور في التقرب من آمون هبت، إله الواحات، وإثبات نسبه الروحي إليه، وهو ما كان شائعًا في تقاليد الملوك والأباطرة الرومان، حيث سعوا إلى كسب شرعية دينية تعزز من سلطتهم أمام الشعوب الخاضعة لحكمهم.